×

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي: كلمات من قلب المنفى عن الوطن والذاكرة

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي: كلمات من قلب المنفى عن الوطن والذاكرة

مريد البرغوثي، ذلك الشاعر الذي حوّل الغربة إلى قصيدة، والمنفى إلى حكاية لا تنتهي. كان يرسم بالكلمات ما يعجز الآخرون عن قوله، كأنه يحمل فلسطين في جيبه أينما ذهب. لم يكن يصرخ بشعارات، بل كان يروي تفاصيل صغيرة تمسّ القلب، كرائحة القهوة في الصباح أو صوت أمّ تنتظر عودة ابنها. اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي الأديب الفلسطيني المميز، لم تكن حبراً على ورق، بل جراحاً نازفة وضحكات مرّة. كان يمسك بالقلم وكأنه يحمل حجراً من بيت مهدم، يرميه في بحر الذاكرة ليحدث دوائر لا تتوقف. حتى عندما يتحدث عن أبسط الأشياء، تجد فيها ذلك الألم الخفي، ذلك الحنين الذي لا يموت.

رأيت رام الله” لم يكن مجرد كتاب، بل كان مرآة عكست وجعاً يعرفه كل فلسطيني. تلك السيرة التي مزجت بين الحزن والسخرية، بين الذكريات والواقع المرير. كم من قارئ وجد نفسه يبكي وهو يقلب صفحاتها، وكأن البرغوثي يكتب عنا جميعاً.

البرغوثي علمنا أن الوطن ليس مكاناً فحسب، بل هو رائحة، وصوت، وقطعة خبز تذكّرنا ببيت لم نعد نستطيع العودة إليه.

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي

في هذه المقالة نتعرف على أبرز محطات حيات مريد البرغوثي التي صقلت تجربة المنفى لديه، ونتوقف عند مجموعة مختارة من اقتباساته التي لا تزال برونقها تنير العقل وتخاطب الروح. هي دعوة لإعادة اكتشاف هذا الكاتب الكبير الذي جعلنا ندرك أن الغربة ليست حالة واحدة فقط، بل تجليات متنوعة، وأن الذاكرة هي الملاذ الأخير الذي لا يستطيع أحد سلبه منا.

ولد الشاعر والأديب الفلسطيني مريد البرغوثي في الثامن من يوليو عام 1944 في قرية دير غسانة الواقعة قرب رام الله. أمضى طفولته وشبابه في فلسطين حتى جاء العام 1967 ليشكل منعطفاً حاسماً في حياته. كان حينها يدرس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، وعندما اندلعت حرب حزيران (النكسة) واحتُلت الضفة الغربية مُنع من العودة إلى وطنه، لتبدأ رحلته الطويلة في دروب المنفى التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود وشكّلت العمود الفقري لتجربته الأدبية والإنسانية.

تنقل البرغوثي بين عدة عواصم ومدن مثل القاهرة، بيروت، بودابست، وعمان، حاملاً معه حساً وطنياً نابضاً وذاكرة لا تفارقه. خلال إقامته في القاهرة، التقى بالروائية المصرية البارزة رضوى عاشور وتزوجا منها ليصبحا نموذجاً لارتباط الإبداع والثقافة. أنجبا ابنهما تميم البرغوثي، الشاعر الذي يحمل بدوره مشعل الإبداع الفلسطيني. لكن حياة البرغوثي الشخصية لم تكن بمنأى عن تعقيدات السياسة؛ فقد تم ترحيله من مصر عام 1977 خلال حكم الرئيس أنور السادات، ليعيش مجدداً تجربة الفقد والانفصال عن عائلته لسنوات طويلة.

صورة تجمع مريد البرغوثي رضوى عاشور تميم البرغوثي اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي

انعكست الغربة القسرية والاشتياق الدائم للوطن بوضوح في أعمال البرغوثي الأدبية؛ حيث نجح بمهارة فائقة في ملامسة هذه الموضوعات سواء شعرياً أو نثرياً. كتابه “رأيت رام الله”، الذي صدر عام 1997 ونال جائزة نجيب محفوظ للأدب، يعد من أبرز معالم الأدب الفلسطيني الحديث. يكشف الكتاب تفاصيل عودته إلى رام الله بعد ثلاثين عاماً من الغياب المستمر، وهو عمل يغزل الخاص بالعالمي بأسلوب أدبي راقٍ يمزج بين الشجن والتأمل العميق.

تتميز اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي بقدرتها على التعبير عن مشاعر وأفكار معقدة بصدق وعمق. إليك مجموعة مختارة من أبرز هذه الاقتباسات، مصنفة حسب الموضوع لتعكس جوانب مختلفة من فكره الثري:

عن الوطن، الغربة، والمنفى

بعض الأوطان هكذا : الدخول إليه صعب ، الخروج منه صعب ، البقاء فيه صعب وليس لك وطن سواه .

أنتِ جميلة كوطنٍ مُحرّر ، وأنا متعَب كوطنٍ محتَل .

هل الوطن هو الدواء حقا لكل الأحزان؟ و هل المقيمون فيه أقل حزنا ؟ .

الغربة كالموت, المرء يشعر دائما أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين , منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائما سواي .

لا ألوم الذين لم ينجحوا في تغيير أوطانهم إلى الأفضل، ألوم الذين نجحوا في تغيير أنفسهم إلى الأسوأ .

لا ينفع ان تحارب دكتاتور البلد المجاور وانت ترقص لدكتاتور بلدك .

وهل تسع الأرض قسوة أن تصنع الأم فنجان قهوتها مفرداً في صباح الشتات ؟ .

أليس طريفاً وغريباً أننا عندما نصل إلى مكان جديد يعيش لحظته الجديدة نروح نبحث عن عتيقنا فيه؟ هل للغرباء جديد؟ أم أنهم يدورون في دنياهم بسلالٍ ملأوها ببقع الماضي، البقع تتساقط لكن اليد لا تسقط سلّتها .

الاحتلال الطويل استطاع أن يحولنا من أبناء فلسطين إلى أبناء فكرة فلسطين .

لم أكن ذات يوم مغرما بالجدال النظري حول من له الحق في فلسطين. فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق! لقد خسرناها بالإكراه وبالقوة.

ليس المهم الوصول للقمة .. المهم أن لا تسمي الحضيض الذي أنت فيه قمة .

الغربة لا تكون واحدة .. إنها دائماً غُربات .. غربات تجتمع على صاحبها وتغلق عليه الدائرة. يركض والدائرة تطوّقه. عند الوقوع فيها يغترب المرء “في أماكنه وعن أماكنه .. أقصد في نفس الوقت .

الغربة كلها شبه جملة ، الغربة شبه كل شىء .

الآن أمر من غربتي إلى.. وطنهم؟ وطني؟ الضفة وغزة؟ الأراضي المحتلة؟ المناطق؟ يهودا وسامرة؟ الحكم الذاتي؟ اسرائيل؟ فلسطين؟.

هل في العالم كله بلد واحد يحار الناس في تسميته هكذا؟ .

في المنفى لا تنتهي الغصة، إنها تستأنف. في المنفى لا نتخلص من الذعر، إنه يتحول إلى خوف من الذعر .

لقد تبعثر موتانا في كل أرض، و في أحيان لم نكن ندري أين نذهب بجثثهم.. و العواصم ترفض استقبالنا جثثا كما ترفض استقبالنا أحياء .

يصاب المرء بالغربة كما يصاب بالربو ولاعلاج للأثنين .. والشاعر أسوأ حالاً لأن الشعر بحد ذاته غربة .

كلما سقط ديكتاتور .. كلما اقتربت فلسطين أكثر .

هل تخيلت يوما أن شارعاً معبداً بالزفت يصبح حلماً من أحلام الشعوب .

ليس الغريب وحده هو الذي يشقى على الحدود الغريبة المواطنون يرومن نجوم الظهر أحياناً على حدود أوطانهم .

السمكة ، حتى وهي في شباك الصيادين ، تظل تحمل رائحة البحر .

في الدكتاتوريات، أفضل الصناعات الوطنية وأكثرها إتقانا ومتانة وتغليفا وسرعة في التوصيل إلى المنازل، هي صناعة الخوف .

الغريب يفضل العلاقة الهشة، و يضطرب من متانتها. المشرد لا يتشبث. يخاف أن يتشبث، لأنه لا يستطيع. المكسور الإرادة يعيش في إيقاعه الداخلي الخاص. الأماكن بالنسبة له وسائل انتقال تحمله إلى أماكن أخرى، إلى حالات أخرى، كأنها خمر أو حذاء .

المنفى ليس مسألة جغرافية، إنه مسألة زمن.

لا غائب يعود كاملاً .. لا شيئ يستعاد كما هو .

الوقت هنا لا تقيسه ساعة يدك , إنه يقاس بقدرتك على الصبر , يمر الوقت ما دمت تملك القدرة على الصبر , و عندما تفقدها … فإنه لا يمر .

الزمن ليس خرقة من الكتان أو الصوف! الزمن قطعة من الغيم لا تكف عن الحركة.. و أطرافها غائمة مثلها .

الذاكرة ليست رقعة هندسية نرسمها بالمنقلة و الفرجار و القرارات الرياضية و الآلة الحاسبة، بقعة من مجد السعادة تجاورها بقعة الألم المحمول على الأكتاف .

الخيبة تصيب من يود استعادة ماضيه، لكنها لا تصيب من لا ماضي له .

هناك دائماً في ما كتباه في الماضي ما يصلح لوصف المستقبل .

من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من ُثانيا .

علمنا التاريخ درسين اثنين أولهما: ان تصوير الفواجع والخسارات بوصفها انتصار هو .. أمر ممكن. والدرس الثاني هو أن ذلك .. لا يدوم .

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي عن الحياة، الموت، والحب

السعيد هو السعيد ليلاً ، و الشقيّ هو الشقي ليلاً ، أما النهار فيشغل أهله .

جَمال المرْأةِ لا يُرى … .إنه يُكتَشَفْ .

الحب هو ارتباك الأدوار بين الآخذ و المعطي .

المخدة هي سجل حياتنا. المسودة الأولية لروايتنا التي، كل مساء تكتبها بلا حبر ونحكيها بلا صوت. ولا يسمع بها أحد إلا نحن، هي الخربشات التي تأتي علي البال بلا ترتيب ولا تركيب. المخدة هي محكمتنا القطنية البيضاء، الناعمة الملمس، القاسية الأحكام. المخدة هي ( يوم القيامة ) اليومي .

كأن النوم لا يخصني. كأنه اختراع قُصِد به سواي .

علمتني الحياة أن علينا أن نحب الناس بالطريقة التي يحبون أن نحبهم بها .

الحياة لا يعجبها تذمر الأحياء . إنها ترشوهم بأشكال مختلفة ومتفاوتة من الرضى ومن القبول بالظروف الإستثنائية .

أمر محير وغريب كل العودات تتم ليلا وكذلك الأعراس والهموم واللذة والإعتقالات والوفيات وأروع المباهج . الليل أطروحة النقائض .

الأمل ذروة اليأس … فيا صاحبي توجع قليلاً … توجع كثيراً … فإن الأمل ذاته موجع حين لا يتبقى سواه .

إن الأحلام تُصبح أكثر خطورة عندما تكون أحلاماً بسيطة .

أكثر مايفزعني أن نعتاد الموت، كأنه حصة وحيدة أو نتيجة محتومة علينا توقعها فى كل مواجهة .

والقهوة يجب أن يقدّمها لك شخصٌ ما. القهوةُ كالوَرْد، فالورد يقدّمه لك سِواك ، ولا أحدَ يقدّم ورداً لنفسه. وإن أعددتها لنفسك فأنت لحظتها في عزلة حرة بلا عاشق أو عزيز، غريبٌ في مكانك. وإن كان هذا اختياراً فأنت تدفع ثمن حريتك، وإن كان اضطراراً فأنت في حاجةٍ إلى جرس الباب .

الأمل يضغط على صاحبه كما يضغط الألم .

أرجوحة الحياة لا تحمل راكبها إلى أبعد من طرفيها: المأساة والمسخرة .

بإشارة من يده قد يحصل الدكتاتور على كل شيء، ما عدا حُسن الختام .

إذا كان الأحياء يشيخون فإن الشهداء يزدادون شبابا .

الموتى لا يطرقون الأبواب .

أنت لا تبتهج فورا بمجرد أن تضغط الحياة زرا يدير دولاب الأحداث لصالحك أنت لا تصل إلى نقطة البهجة المحلوم بها طويلا عبر السنوات وأنت أنت . إن السنوات محمولة على كتفيك . تفعل فعلها البطيء دون أن تقرع لك أية أجراس .

من أجمل أناقات العيش تلك اللحظه التي يتحول فيها ترف صغير الى ضرورة .

هناك صحيح قبيح ..لا أمارسه ولا اتبعه، حتى لوكان لي الحق في ممارسته واتباعه .. وهناك اخطاء جميلة لا اتورع عن ارتكابها باندفاع ورضى ..ولكن دائما للرضى ما يشوب الرضى ! ما الذي قبل ان تستقر بدايته انقضى ؟ .

لماذا هناك دائمًا خيط من الخوف في قماش الطمأنينة ؟ .

رأيت بعيني وجع الولادة فشعرت أن من الظلم أن لا ينسب الأطفال إلى الأم.. لا أدري كيف اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه .

أهذي عمري وأثرثره دفعة واحدة على مسامع نفسي فأكون منها كما يكون المصاب بالحمى ، تظنه نائما أو صامتا بينما كل جسده حكايات .

الجمعة ليس يوم عطلة أيها الدكتاتور .. إنهض ، استحِمّ ، أصبغ شعرك ، ارتدِ ملابسك الكاملة ، إجلس إلى مكتبك وافتح النافذة ، لتسمع لعنة الشعب .

هذه العبارة المحببة الحنون، هي أجمل ما يمكن للمرء أن يسمعه من شخص يعنيه عند الوداع. تقولها لي أمي كلما خرجت من البيت، كلما سافرت، كلما غبت في مهمة أو عمل. “دير بالك على حالك”.

في كل صراع هناك قاتل ومقتول إلا في ( الصراع الطائفي )، فهما قتيلان .

العربي المحظوظ هو الذي يصحو من نومه ذات صباح فيجد نفسه مجنوناً و ينتهي الأمر .

عيب الإنسان الأكبر هو إنكاره عيوبه, ودفاعه المستميت عنها .

أسهل نشاط بشري هو ” التحديق ” في أخطاء الآخرين ! .

من المريح ان دائماً ان نصور المأساة فيما يقع علينا فقط ، لا فيما نفعله بأيدينا .

من السهل علي ان ادير ظهري و اغادر العلاقة اذا رأيت فيها ما يرهق ، الصديق المرهق كثير المعاتبة ، كثير اللوم ، يريد تفسيراً لما لا يفسر ، يريد ان يفهم كل شيء ، اذا سامحك على خطأ فهو يشعرك انه سامحك على خطأ.

لماذا يظن كل شخص فى هذا العالم أن وضعه بالذات هو وضع مختلف ؟ ، هل يريد ابن آدم أن يتميز عن سواه من بني آدم حتى فى الخسران ؟ ، هل هى أنانية الأنا التى لا نستطيع التخلص منها ؟.

كلّما قالوا انتهى، فاجأتُهُمْ أَنّي ابتدأتْ .

نحن نختار الصديق اختياراً. ولذلك فالصداقة المُرهِقة، في نظري ، هي تبرع بالحُمق .

مرة أخرى أفشل في أن أكون حيث يجب أن أكون .

المظلوم يخسر إن لم يكنْ فى جوهره أجمل من الظالم .

وفشلت في العثور على جدار أعلق عليه شهادتي .

لا ترفع صورة سياسي حي .. ارفع صورة من استشهد، لأن الشهداء ليس لديهم وقت للتراجع عن مواقفهم ووعودهم .

( يا أخ ) هي ، بالتحديد ، العبارة التي تلغي الأخوة .

قد يدخل المرء بسهولة في مشاجرة مع خصم وقد ينزلق بلا تفكير إلى التلفظ بأبذأ الكلمات التي قد يندم عليها بعد حين, لكنه يجد صعوبة عند اختيار كلمة طيبة للثناء على صديق, فبعض الشكر يبخس الفضل أحيانًا .

هناك دائماً روايتين لكل ما يحدث : رواية صادقة و رواية الحكومة .

الإنسان مليء بالتناقضات مهما أنكر ذلك، إن بداخله أصواتاً متضادة و هو يصغي لها جميعاً في أوقات مختلفة فيبدو تناقضه واضحاً للجميع. و لا يفزعني من يصرخ بي “أنت غلطان يا سيد مريد”. طبعاً من الوارد أن أقع في الغلط. هل هذا غريب؟ و هل أنا أبله حتى اكون على حق دائماً ؟ .

ألا تساوي متعة الحذف متعة الكتابة؟ وهل تستمد الكتابة قيمتها إلا من “المحذوف” الذي تعمدنا حذفه .. ليتجلى؟ .

الغسّالة الأوتوماتيكية الفخمة … لا تدخلها إلا الملابس المتَّسِخة… وحَبْلُ الغسيل المشبوح بين مسمارَيْن… لا يحمِلُ إلا ما هو نَظيفْ .

هناك ستارة سرية تحت تصرفي ، أشدها عند الحاجة ، فأحجب العالم الخارجي عن عالمي ، أشدها بسرعة وبشكل تلقائي عندما تستعصي ملاحظاتي وأفكاري على الإنكشاف بكامل وضوحها ، عندما يكون حجبها هو الطريقة الوحيدة لصيانتها .

قد يخنقك مجرم بشال من الحرير , وقد يهشّم رأسك بفأسٍ من الحديد , وسيضمن مصرعك في الحالتين .

اقتباسات وأقوال مريد البرغوثي

في نهاية هذه الرحلة العاطفية والعميقة داخل عالم مريد البرغوثي الأدبي، يتضح لنا أن كلماته ليست مجرد استرجاعات شخصية لتجربة المنفى، بل تُعد شهادة إنسانية باقية تثبت قوة الذاكرة وعمق الكلمة، إذ تتحول إلى وطنٍ بديلٍ لأولئك الذين فقدوا أوطانهم. بأسلوبه الشعري الدقيق ولغته الصادقة التي تخلو من التزييف أو المبالغة، استطاع مريد البرغوثي أن يُعيد تعريف تجربة الشتات الفلسطيني كقضية إنسانية تلامس قلوب كل من عاش شعور الغربة أو اكتوى بنار الفقد والحنين.

ما يميز كلمات مريد البرغوثي هو قدرتها الفريدة على التقاط التفاصيل الدقيقة والمفردات الصغيرة التي تُكوِّن جوهر التجربة الإنسانية في الشتات. هو لا يخبرنا فقط بأن الوطن يتجاوز حدود الجغرافيا، بل يعيد رسم مفهومه ليصبح رائحة القهوة، ودفء اللقاءات العائلية، وتلك الذكريات الحميمة التي نحارب بها النسيان. إرثه الأدبي دعوة مفتوحة لنقف عند ما وراء العناوين الكبرى والصراعات السياسية، ولنتأمل الإنسان الذي يتأرجح في قلب كل مأساة. كلماته تحملنا إلى عالمٍ يذكرنا بأهمية الحفاظ على الذاكرة، وبأن التفاصيل الصغيرة تملك القدرة على تشكيل عالمٍ كامل يستحق الاحترام والتأمل. إنه الأدب الذي يمنح صوتاً للمهمشين، ويحوّل الألم إلى جمال خالد والغربة إلى قصيدة نابضة بالحياة.

التوقف عند اقتباسات وأعمال مريد البرغوثي ليس مجرد عملية قراءة تقليدية؛ إنه شراكة مع ضمير حي وتجربة غنية نستكشف فيها كيف يمكن للكلمات أن تبني هويّة داخل الروح وتخلق وطناً لا يمكن شطبه، رغم كل محاولات النفي والإلغاء.

مدونة لاستكشاف الأفكار العميقة، من الأدب والفلسفة إلى أحدث ما في عالم التقنية.

إرسال التعليق

You May Have Missed